الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال: ومعنى {تَنْبُتُ بالدُّهْن}: تنبت ومعها دهن، كما تقول: جاءني زيد بالسيف، أي: جاءني ومعه السيف.وقال أبو عبيدة: معنى الآية: تنبت الدهنَ، والباء زائدة، كقوله: {ومن يُرِد فيه بإلحادٍ بظلم} [الحج: 25] وقد بيَّنَّا هذا المعنى هناك.قوله تعالى: {وصِبْغٍ} وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، وإِبراهيم النخعي، والأعمش: {وصِبْغًا} بالنصب.وقرأ ابن السميفع: {وصِبَاغٍ} بألف مع الخفض.قال ابن قتيبة: الصِّبغ مِثْل الصِّباغ، كما يقال: دِبْغ ودِبَاغ، ولِبْس ولِبَاس.قال المفسرون: والمراد بالصِّبغ هاهنا: الزيت، لأنه يلوِّن الخبزَ إِذا غُمس فيه، والمراد أنه إِدام يُصبَغ به.قوله تعالى: {وإِنَّ لكم في الأنعام لعبرةً نُسقِيكُم} وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {نَسْقِيكُم} بفتح النون.وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بضمها.وقد شرحنا هذا في [النحل: 66] إِلى قوله تعالى: {ولكم فيها منافع كثيرة} يعني: في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها {ومنها تأكلون} من لحومها وأولادها والكسب عليها.قوله تعالى: {وعليها} يعني: الإِبل خاصة {وعلى الفُلْك تُحْمَلُون} فالإِبل تحمل في البَرِّ، والسفن تحمل في البحر. اهـ.
وقال آخر: ونحو هذا قاله أبو على أيضًا؛ وقد تقدّم.وقيل: نبت وأنبت بمعنًى؛ فيكون المعنى كما مضى في قراءة الجمهور، وهو مذهب الفراء وأبي إسحاق، ومنه قول زُهير: والأصمعي ينكر أنبت، ويتّهم قصيدة زهير التي فيها: أي نبت.وقرأ الزُّهْري والحسن والأعرج {تُنْبَت بالدهن} برفع التاء ونصب الباء.قال ابن جِنّي والزجاج: هي باء الحال؛ أي تُنْبَت ومعها دهنها.وفي قراءة ابن مسعود: {تخرج بالدهن} وهي باء الحال.ابنُ دَرَسْتَوَيْه: الدهن الماء اللين؛ تبنت من الإنبات.وقرأ زِرّ بن حُبَيش {تُنْبِت} بضم التاء وكسر الباء {الدهنَ} بحذف الباء ونصبه، وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب {بالدهان}.والمراد من الآية تعديد نعمة الزيت على الإنسان، وهي من أركان النعم التي لا غنًى بالصحة عنها.ويدخل في معنى الزيتون شجر الزيت كلّه على اختلافه بحسب الأقطار.الثالثة: قوله تعالى: {وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ} قراءة الجمهور.وقرأت فرقة {وأصباغ} بالجمع، وقرأ عامر بن عبد قيس {ومتاعًا}؛ ويراد به الزيت الذي يصطبغ به الأكل؛ يقال: صِبغ وصباغ؛ مثلُ دِبْغ ودِباغ، ولبِس ولباس.وكل إدام يؤتدم به فهو صِبْغ؛ حكاه الهَروِيّ وغيره.وأصل الصِّبغ ما يلوّن به الثوب، وشبّه الإدام به لأن الخبز يلوّن بالصّبغ إذا غُمس فيه.وقال مقاتل: الأُدْم الزيتون، والدهن الزيت.وقد جعل الله تعالى في هذه الشجرة أُدْمًا ودُهْنًا؛ فالصِّبغ على هذا الزيتونُ.الرابعة: لا خلاف أن كل ما يصطبغ فيه من المائعات كالزيت والسمن والعسل والرُّبّ والخلّ وغير ذلك من الأمراق أنه إدام.وقد نصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخل فقال: «نعم الإدام الخل» رواه تسعة من الصحابة، سبعة رجال وامرأتان.وممن رواه في الصحيح جابر وعائشة وخارجة وعمر وابنه عبيد الله وابن عباس وأبو هريرة وسَمُرة بن جُنْدب وأنس وأم هانىء.الخامسة: واختلف فيما كان جامدًا كاللحم والتمر والزيتون وغير ذلك من الجوامد؛ فالجمهور أن ذلك كله إدام؛ فمن حلف ألا يأكل إدامًا فأكل لحمًا أو جبنا حنِث.وقال أبو حنيفة: لا يحنث؛ وخالفه صاحباه.وقد روي عن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة.والبقل ليس بإدام في قولهم جميعًا.وعن الشافعي في التمر وجهان؛ والمشهور أنه ليس بإدام لقوله في التنبيه.وقيل يحنث؛ والصحيح أن هذا كله إدام.وقد روى أبو داود عن يوسف بن عبد الله بن سلاَم قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة فقال: «هذه إدام هذه» وقال صلى الله عليه وسلم: «سيّد إدام الدنيا والآخرة اللحم» ذكره أبو عمر.وترجم البخاري باب الإدام وساق حديث عائشة؛ ولأن الإدام مأخوذ من المؤادمة وهي الموافقة، وهذه الأشياء توافق الخبز فكان إدامًا.وفي الحديث عنه عليه السلام: «ائتدموا ولو بالماء» ولأبي حنيفة أن حقيقة الإدام الموافقة في الاجتماع على وجه لا يقبل الفصل؛ كالخل والزيت ونحوهما، وأمّا اللحم والبيض وغيرهما لا يوافق الخبز بل يجاوره كالبطيخ والتمر والعنب.والحاصل: أن كل ما يحتاج في الأكل إلى موافقة الخبز كان إدامًا، وكل ما لا يحتاج ويؤكل على حدة لا يكون إدامًا، والله أعلم.السادسة: روى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» هذا حديث لا يعرف إلا من حديث عبد الرزاق، وكان يضطرب فيه، فربما يذكر فيه عن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وربما رواه على الشك فقال: أحسِبه عن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وربما قال: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.وقال مقاتل: خُصّ الطّور بالزيتون لأن أوّل الزيتون نبت منها.وقيل: إن الزيتون أوّل شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان.والله أعلم.قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} تقدّم القول فيهما في النحل والحمد لله.وفي هود قصة السفينة ونوح، وركوب البحر في غير موضع.قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا} أي وعلى الأنعام في البر.{وَعَلَى الفلك} في البحر.{تُحْمَلُونَ} وإنما يحمل في البر على الإبل فيجوز أن ترجع الكناية إلى بعض الأنعام.وروي أن رجلًا ركب بقرة في الزمان الأوّل فأنطقها الله تعالى معه فقالت: إنا لم نخلق لهذا وإنما خلقت للحرث. اهـ.
|